دور الطالب الجامعي في المجتمع المزابي

  • دور الطالب الجامعي في المجتمع المزابي

  • مقدمة:

يقول الله تعالى:)يَرفَع الله الذِينَ آمَنُوا منكُم والذين أوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ و اللهَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ([المجادلة 11]،ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه عبادة، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، وبيان سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والمحدث في الخلوة، والجليس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والزين عند الأخلاء، والسلاح على الأعداء، وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى، ومجالسة الملوك في الدنيا، ومرافقة الأبرار في الآخرة، والفكر في العلم يعدل الصيام، ومذاكرته تعدل القيام، وبالعلم توصل الأرحام، وتفصل الأحكام، وبه يعرف الحلال والحرام، وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم يطاع الله ويعبد». كما يقول الشاعر أحمد شوقي:

الناس من جهة التمثال أكفاء
فإن يكن لهم من أصلهم شرف
وما الفخر إلا لأهل العلم إنهم
وَقدرُ كُل امرئٍ ما كان يُحسنه
وإن أتيت بـجُودٍ في ذوِي
ففز بعلمٍ تعِش حيًا به أبدًا

 

أبوهم آدم والأم حواء
يفاخرون به فالطين والماء
على الهدى لمن استهدى أدلاء
والجَاهلون لأَهلِ العِلم أَعداءُ
نسبٍ، فإِنَّ نِسبتَنا جُودٌ وعَلياء
الناس مَوتى وأهل العلم أحيَاءُ

 

ويَقول الإمام عَلي كرم الله وجهه: "العِلمُ نهرٌ والحكمَةُ بحرٌ، والعلمَاء حَول النَّهر يطوفون، والحكماء وسط البحر يغوصون، والعارفون في سفن النَّجاة يَسيرون"، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من تعلم بابًا من العلم ليُعَلمَه النَّاس ابتغاء وجه الله أعطَاه الله أجر سبعين نبيًا".

إنَّ الدين الإسلامي الحنيف رفع العلمَ والعُلماء درجاتٍ، ووصفهُم بالمنَاقبِ الحَسناء، وأيَّدهم بنصرٍ منه بعد الفَناء، وأوصى بالتّفقُّهِ في الدِّين ومجالسة الفقهاء والعُلماء، لعبادة الله تعالى بالعلم واليقين، لا بما تمليه نفس الإنسان من الأهواء، ولا على مَا تمليه فَلسَفة البشر من تَكهنات وادِّعاءات الحكماء، كل هذَا تبيينًا لشريعة ربِّ الأَرض والسَّماء، وَالعلم الصحيح الذي لا يشوبه شوائب ولا شبه ذَوِي الأعداء للإسلام وَالمسلِمينَ، فَكَان طالبُ العِلم ذُا مَكَانة بينَ من ذَكرهم الله تعالى بالثَّناءِ، وامتدَحَهم وعدَّ فضلهُم أهلُ العلم والشعرَاء، حيث يقول الشَّاعر :

العلم أنفسٌ شيءٌ أنت داخره
أقبل على العلمِ واستقبل مَقَاصده

 

من يدرُس العلمَ لم تَدرُس مَفَاخرُه
فَأَوّل العلـمِ إقبالٌ وآخـره

 

كما قضت سنة رَبّ الحَياة والمَمات، أن يسير المرء في هذه الحياة، بقوانين وضوابط وحكمة الحكماء، ليتجنب الوقوع في دركات أهوائه،ويتحلى بذلك بالحكمة في تسيير شؤون حَياته، كما لا يمكِن للإنسانِ أن يَعتقد الخلودَ في هَذه الحَيَاة، مهما طَالَ بِه العُمر، لكنه سيعتقد بعدها أنه قد أخطأ في تقديره ورؤيته لنظرية عدم الممات، يَقول الشَّاعر محمُود الورَّاق:

يحبُّ الفتى طولَ البَقَاء كأَنَّه
جديدان لا يبق الجمِيع عَليهما

 

على ثِقَةٍ أن البَقاء بقاءُ
ولا لَهمَا بعد الجَميع بَقاءُ

 

ويقول الشَّاعر "أبو الطَّيب المتنَّبي":

زِيادة شيبٍ وهِي نقص زيادَتِي

 

وَقوة عشقٍ وهي من قُوة ضُعفي

 

وما أجمل قول الأديب في الشيخ الهرم الذي يتسم بمنَاقب الشباب حين يقول: "قد جمع نضارة الشباب إلى أُبهةِ المشيب، وهو على حدوث ميلاده وقربِ إسناده شيخ قدر وهيبة، وإن لم يكن شيخ سن وشيبة،هو بين شباب مقتبل وعقلٍ مكتمل، قد لبي برد شبابه على عقل كهل، ورأي جزل، ومنطق فصل، للدهر فيه مقاصد، وللأيام فيه مواعد، أَرى له في فصل ضمان الأيام وَودائع الخطوط والأقسام، تباشير نجح ومخاييل نصر وفتح، قد استكمل قوة الفضل، وَلم يتكامل له سن الكهل، ما زالت مخاييله وليدًا وناشئًا، وشمائله صغيرًا ويافعًا، نواطق بالحسن عنه،وضوامن النجح فيه، قد سما إلى مراتب أعيان الرجال، التي لا تدرك إلا مع الكمال والاكتمال، حمُدت عزائمه، قبل أن حُلت تمائمه وشهدت مكرماته قبل أن تُدرج لذاته".

الطالب الجامعي والمجتمع؛ بين التأثير والتأثر:

إن الطالب الجامعي في مشواره العلمي، يحتاج إلى مساحة للعطاء وتجسيد علمه النظري في الميدان التطبيقي، حيث يختبر صحة هذه النظريات في العلوم الإنسانية (علم النفس...) خاصةً، حيث أضحى من الواجب أن يتخذ الطلبة هذا المبدأ، بذلك سيصبحون دررًا في جبين المذهب والمجتمع يذودونَ عن حمَاه،فقد جُمعت فيهم مظاهر الفتوة، وأسباب القوة، وكما قال أحد البلغاء: "الشباب باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيب الثمار بواكيرها، الشباب أبلغ الشفعاء عند النساء،وأكثر الوسائل لقلوبهن، ولذلك قال الشاعر:

أحلى الرجال عند النساء مواقعًا

 

من كان أشبههم بهن خدودًا

 

فوجبَ على الشباب المزابي الجَامعي التأثيرُ في مجتمعه من خلاَل نشاطه الثقَافي والعلمي، ويمكن أن نطرَح السؤال التالي: ما هي طبيعة العلاقة بين الطالب الجامعي ومجتمعه؟

إن طبيعَة العلاقة بين الطالب الجامعي ومجتمعه الذي يمثل كيانه ومرجعتيه الفكرية والتصورية كذلك،هي أن هناك تأثر للطالب من قبل مجتمعه،وهذه الجدلية -التأثير والتأثر- من المهم أن نطرحها في مثل هذه المواضيع، فنقاط تأثر الطالب الجامعي من مجتمعه تتمثل في:

  • أولا: في تكوين التصور لدى الطالب الجامعي، فيشعر حينها الطالب الجامعي بأن له تصور حول مستقبله يناءً على المبادئ التي تخص المجتمع المزابي بوجه الخصوص.
  • ثانيا: يشعر الطالب الجامعي بأن له دَين نحو مجتمعه يجب قضاؤه وتأديته بعد التخرج أو أثناء سنوات التدرج،وهذا ما لاحظه المفكر الإسلامي "مالك بن نبي" عندما زار (وادي مزاب" في الستينيات من القرن الماضي).
  • ثالثا: انضمام الطالب الجامعي إلى الجمعيات الخيرية والنوادي التي تكون في المُدن التي يدرس فيها مرحَلته الجامعيَّة،وهذَا ما يُظهر جليًّا تأثُّر الطالب الجامعي بمجتمعه وهو الولاء والوفَاء للمؤسَّسَات العرفيَّة والدينيَّة.

أما النِّقاط الأخرى فيُمكن ذكرها عَلى النَّحو التَّالي:

  • عدم تشويه الصُّورة الإيجابيّة للمجتمع المزابي في الجامعَات،وهذا ما يرجع إيجابًا علَى سلوكه وأخلاقِه.
  • الشعور بالمسؤوليَّة نحو مجتمعه.
  • التحلِّي بخصلة الوَفاء لمجتمعِه، وذَلك برد الجَمِيل بعد التَّخرُّج.

إن نقاط تأثر الطالب الجامِعي بمجتمَعه عميقة جدًّا كمَا رأينا،طبعًا وهذا ما يَجعل الطالب الجَامعي المزابيمُتميزًا عن غَيره من الشَّباب الإسلاَمي، وهذَا يَظهر جليا فِي التفكير والسلوك والأخلاَق.

أما نقاط تأثير الطَّالب الجامِعي في مجتمعه فهي:

  • أولاً: توعية المجتمع من خلال تنظيم المحاضَرات والملتقَيات التي مِن شأنها أن تُثري الرصيد العلمي للعامة من الناس، كما أن هذه المحَاضرات تُمثل مَجالاً للعَطاءِ من طرف الطالب،فالحيَاة أخذٌ وعطَاء.
  • ثانياً: تأثير الشباب والأطفال في أوقات الفراغ، وذَلك بتنظيم دورات للمطالعة وتحبيبها لهم وحثهم على حبِّهَا، كذلك تَرغِيبهم في حبِّ العِلم والعُلماء،وإِبعاد نظرة حب اللاعبين والمُغنيين عن أَذهَانِهم.
  • ثالثًا: المساهمة في تقوية الجانب العقائِدي لدى العَامة من النَّاس، خاصَّة الشَّباب الذين يكونون عرضةً للكثير من الأفكَار المختَلفة التي قَد تؤثِّر في قناعَاتهم وانتمائهم إلى المذهَب الِإباضي.
  • رابعًا: توعية المجُتمع من خلال التخَصُّص الذي يختص فِيه الطَّالب الجامعي، وبذلك سيكون هناك تأثير في المجتمع من خلال هذه النِّقاط التيِ تعد أسَاسية لبنَاء قناعة الشاب في هذا الَموضوع.

حقيقةً لقد أثبتت فَلسَفة المجتَمع وبنَاءه منذ القَديم أن من يرفع راية المجتمع ويذود عن حماه ويخرجه من ويلات الظلام ويبصره بواقعه الذي يعيش فيه وبالتأثيرات التي قد تؤثر فيه هو طالب العلم، فمنَ المنطِقي جدا أن لاَ نَقُول بأن الفلاح والعامل والحرفي والصانع وغيرهم، هم الذين سيؤَدون هذا الواجب خاصة في القرن الواحد والعشرين!

لقد باتت مسؤولية طالب العلم اليوم ثقيلةً أكثر من الأمس،وضرورة العمل لبناء حضارة الإسلام أكثر من الماضي، فالعلمُ لَيس ترفًا فكريّا أو تراكمًا معرفًيا مجردا، تنتهي حدودُه في الكتب والمجلداتِ، وتقفُ تأثيراتُه على طاولات توصيات الملتقيات!! حتى صار الغرب يسمي الأمة الإسلاميَّة بأمة الكلام والشعارَاتِ.

لقد أظهرت تجَارب الحياة أنه يجب أن يَكون هناك نهوض بالأمةِ الإسلامية حتى وإن لم يكن متعلقا بالجَانب الاقتصَادي، ومنه فوجبَ أن نعتبر أن أول لبنةٍ للعمل لنهوضِ الأمة الإسلامية هو العمل على توعية المجتمع والتأثير فيه وتبصيره وإرشاده، ولا يتأتى ذلك إلا بالعلم وقوة الإيمان بالفكرة أولا، ثم الإيمان بضرورة العمل ثانيًا.

فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

والحمد لله رب العالمين.

نجار صلاح الدين بن عيسى

مشارك في المسابقة الثقافية الكبرى

لايوجد تعليقات

أضف تعليقا للموضوع : دور الطالب الجامعي في المجتمع المزابي