أمانة العلم

  • أمانة العلم

العلم باب واسع لا يطرقه سوى الطالب والباحث والمهتم، والطالب من خلال الإقبال واستقبال مقاصد علمه لابد أن يكون شريفا مخلصا وحريصا، وهذا ما غاب في ذا العهد، لذا علينا أن نراجع أنفسنا قبل أن تذوب وتبيد قيمنا وقيمتنا.

إن لكل جيل طريقة وأسلوب في الحياة، ألا وإنّ في كل أسلوب إبداع، فكل طالب يطمح ويسعى، يتفاءل ويحاول، يستطيع أن ينال، فالطالب يحمل في ثناياه حب المعرفة وحب الاطلاع، وبذلك الإقبال يمكنه أن يتصف بالرجولة، لكن هل يكفيه هذا حقا لبلوغ مبتغاه؟

للطلاب أيضا نصيب من العوائق في الحياة، داخلية كانت أي مع نفسه، أو بمن يتعلق به، فقد تصادفه يوما مشاكل في مشواره الدراسي، لكن إن هو شعر بواجبه حقا، مهما كلّفه، وبذل جهدا، ودافع عنه واعتزّ به، قد يرقى إلى منزلة الأفذاذ والأخيار.

إنه لا باس أن يصادف الطالب خللا في المعلمين، أو ضعفا في المتون فهذه طبيعة الإنسان، وطبيعي أن يجد مسؤولا لا يؤدي واجباته على أكمل وجه، فيرى البعض جددا كانوا أو ذوي خبرة، لا يحسن التسيير، أو يخلط بين التلقين والإلقاء، أو لا يبذل جهدا في خدمة العلم، ولكن الأدهى إن كانت نواياه وأهدافه متجهة صوب الربح والتجارة، فويل له فقد ظلم نفسه، وخان الأمانة، وقضى على الوصاية... فكيف له أن يغرس ليأكل الأبناء، كما غرس له الآباء؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويل لأمتي من علماء السوء؛ يتخذون العلم تجارة يبيعونها، لا أربح الله تجارتهم»، وحقّ لنا القول:

بئس المعلم إن أعدّ علمه لظلمٍ

 

فيغلط فيه ويصيب بعضه بسقمِ

 

ولكن المشكل يكمن في ذات الطالب إن تعلم ولم يخلص في علمه وعمله فيه،  فقلّما نرى مخلصا في زمن قلّ فيه الأوفياء.

فهل يفقه أن أمانةَ العلم والأدب رسالة مقدسة واجب أن يبلغها لأجيال قادمة؟ ومسؤولية على كل قادر بل وفريضة؟ فما نقول في حق المريض في سريره يناضل؟ والمسجون من وراء قضبانه يحاول؟ والمشلول لمجهوده يبذل؟ كل له رسالة يريد ويأمل أن تصل. فلنقف هنا وقفة عبرة لا غير، وما نقول في حق الطالب الذي بالوسائل تكاسل، تمتع بالعقل ولم يعقل، فيه الأمل فلم يأمل، قادر على المستحيل ولم يحاول.

 الطلاب في عهدنا يطلبون العلم فقط من أجل العلم ذاته، خاليا من الأهداف والنية، وقد يتباهون به، أو يعدّونه لغش أو مظلمة، فغابت المزايا والخصال الحسنة، ودنسوا محياه بالأطماع، بالتآمر والخداع، وحتى بالمتاجرة فيه بالرشوة، فلم يصونوه أو يحفظوه، ويرونه وسيلة الربح والجاه، لا وسيلة الخدمة والمنفعة، فهو هنا إما ينتفع وينفع أو يخضع للدنيا وأهوالها، لأنه حتما خاسر لوقته سدى، وتعلمه تُذهبه الرياح هباء، وما فائدة الشهادة دليل تفوقه إن كانت حقا برهان علمه، فهي تحمل سوى الاسم، وجودها نفسه العدم، فلا يجب النظر إلى الفتى وشهادته، بل ننظر إلى وفائه، وحفظ عهوده، والإخلاص في فنونه، والإتقان في أعماله، فإن فعل فاق الكل في عليائه.

فلو عدنا قليلا إلى زمن ماضينا يوم كنا صبيانا، والصبي في بيته يحفظ الحروف والكلمات ويحرص عليها ويصونها بشوق، وكيف سار مساره كتلميذ في مدرسته لا يخطأ، وإن أغفلت عين الرقيب عليه أمينا حريصا على دروسه، فهل نرى اليوم طالبا معتزا بنفسه؟ فخورا بكلّيته؟ بأمته؟ ويبعث فكره على التفكير في غرض شريف له في الحياة؟ ويرعى علومه حق الرعاية؟ فذاك الطالب المؤمن الذي يبث القوة، ويملأ الأرض أملا، ويُحيي الإرادة في أرض جرداء العزيمة، فلا خوف على مستقبله الواسع، ولن يجد غير الراحة في تناول المسائل، ومزاولة الأعمال، عكس من يُحسن علمه ويكتمه، مَثَله كمثل قوم جاءتهم البيّنات فأعرضوا عنها ولم يكترثوا لها، فحق قول الله تعالى فيهم:)كمثل الحمار يحمل أسفارا(، لأنه يحمل ولا يعلم ما يحمل، لذا علينا أن نختار لأنفسنا ما نختار، ففي كل جيل جديدُ، ولأن العلم متجدد، به رفع العبد، وأذهب الحقد، ووُفّر الزاد، و زاد الودُّ، وارتقت الحضارات طول الأمد.

صالح بن مسعود كركار

مشارَكة في المسابقة الثقافية الكبرى

لايوجد تعليقات

أضف تعليقا للموضوع : أمانة العلم