"رجب طيب أردوغان" هل من عودة للخلافة الإسلامية

"رجب طيب أردوغان" هل من عودة للخلافة الإسلامية
 
"رجب طيب أردوغان" المسلم رئيس وزراء تركيا الحالي ورئيس حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي، شد الأنظار في هذه الآونة الأخير بمواقفه الشجاعة والبطولية حول القضية الجوهرية للمسلمين حاليا وهي "فلسطين المحتلة"، فتصريحاته تصنع شعبية كبيرة له وأحيانا تصنع أزمات إقليمية ودولية؛ والعداء السافر الذي أبداه هذا البطل تجاه القوى الإمبريالية التوسعية إسرائيل البغيضة وحلفاءها يثير الإعجاب، حيث قام مؤخرا  بطرد سفير إسرائيل ونائبه من تركيا وتخفيض العلاقات الدبلوماسية معها،وتجميد كامل للعلاقات التجارية و الاستراتيجية العسكرية (بعدما كانت إسرائيل الحليف الاستراتيجي لتركيا في الشرق الأوسط)، وكان هذا التوتر بعد التعدي على أسطول الحرية وعلى سفينة "مرمرة" في المياه الدولية، قتل خلالها تسعة أتراك،حينها طلب "أردوغان " من إسرائيل الاعتذار لتركيا وتعويض أهالي الضحايا ورفع الحصار الغاشم فورا عن غزة،و يضاف إليها ما صدر مؤخرا من تقرير "بالمر" المجحف الصادر من الأمم المتحدة في هذه القضية الذي أدان الضحية وأنصف الجلاد ،  كل هذه الأحداث أدت إلى التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية، وفي نية هذا الزعيم كما تحدث في الأيام الأخيرة تصعيد اللهجة أكثر بحيث لا يتسنى لإسرائيل في الأيام المقبلة أن تفعل ما تشاء، وسيعزز أسطولا عسكريا في البحر الأبيض المتوسط ، وسيرسل أيضا أسطولا للحرية آخر لكسر الحصار على غزة معززا بآليات عسكرية حتى لا تفكر إسرائيل في حماقة أخرى،وما فعل هذا الرجل قبل ذلك في الحرب على غزة سنة 2009م لم يفعله أحد قبله في مؤتمر دايفوس حيث بدأ يعاتب الرئيس الإسرائيلي بيريس وغطرسة اليهود على الفلسطينيين ، فأراد مسير الجلسة في المؤتمر إيقافه فردد بالإنجليزية (وان مينيت ..وان مينيت) ولم يتركه رغم ذلك مواصلة الحديث، فقال أردوغان: ( شكرا لن أعود إلى دايفوس بعد هذا، أنتم لا تتركونني أتكلم، وسمحتم للرئيس بيريس بالحديث مدة 25 دقيقة، وتحدثت نصف هذه المدة فحسب)  فنهض غاضبا وترك المؤتمر...ومن العجيب أن الذي يهمه الأمر وهو الأمين العام لجامعة الدول العربية "عمرو موسى" لم يحرك ساكنا بل اكتفى بالتسليم على "أردوغان" والعودة إلى كرسيه مرة أخرى،

ونشم من هذه الشخصية الفذة محاولة إعادتنا إلى أيام عز الخلافة العثمانية أيان كانت للأمة الإسلامية صداها وكلمتها، فهو سليل "محمد الفاتح" و"السلطان عبد الحميد الثاني" الذي فاوضه اليهود على أرض فلسطين وأغروه بأثمان خيالية رفض أن يسمح في شبر من هذه الأرض التي بورك ما حولها والتي فيها المسجد الأقصى(أولى القبلتين وثالت الحرمين ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين)  هذا الشبل من تلك الأسود –كما قلت- يذكرنا بأيام المجد والعز.

وها هو في الأيام الأخيرة يزور بلدان  الربيع العربي والإسلامي، وأثناء تواجده في مصر سئل في لقاء تلفزيوني عن الدولة العلمانية (بكون تركيا دولة علمانية)والأصل أن المسلم مصدره التشريعي هو الإسلام، فأجاب بأنه هو رجل مسلم، ومصطلح العلمانية يختلف مفهومه بين الدول الأنقلو ساكسونية فيما بينها، وأنا أعتبر أن العلمانية هي الوقوف في مسافة متساوية بين الأديان رغم كونه مسلما، فللشعب حريته في الاعتقاد والتعبد (وهذا لتواجد اليهودية والمسيحية  وغيرها من الأديان في تركيا) وهذا مصداقا لقوله تعالى " لا إكراه في الدين" "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"؛ ووصف نفسه مرة بأنه رئيس متدين لحكومة علمانية، وأضاف: (العلمانية الحقيقية من وظائفها حماية الدين والمتدينين لا محاربتهم) ، ومن مظاهر ربما تدينه زوجته وبنتيه المحجبتين في الوسط التركي المعروف بالسفور.

ومما يؤكد اتجاه هذا الرجل في محاولة إعادة مجد الإسلام شامخا في عصر التطور والتكنولوجيا قوله في زيارته الأخير إلى تونس "لا تعارض بين الإسلام والديموقراطية" طمأنة للمتخوفين من الإسلاميين وحزب النهضة التونسي؛ وكذا إعادة اللحمة بين الشعوب الإسلامية بقوله في مصر" أحب الشعب المصري في الله"، ومما يزيدنا يقينا في توجهاته الإسلامية الخطاب الذي سجن من أجله سنة 1998م، حينما كان رئيسا لبلدية استانبول والشعبية التي حصل عليها أثناءها لما قام به من أعمال جبارة أحيا بها تلك المدينة التي كانت تعج بالفساد الإداري والمالي وتعيش ندرة المياه فجلب إليها المياه وقام بتنقية الهواء والشواطئ المحيطة باستانبول الملوثين،وقضى على الفساد،وأعاد بناء البنية التحتية لاستانبول ، وجعل مظهرها كأحد الدول الأوربية الحديثة،وانتشل استانبول من ديونها البالغة آنذاك ملياري دولار وحولها إلى أرباح واستثمارات وبنمو بلغ 7بالمائة،وهو ما اكسبه شعبية كبيرة في عموم تركيا، مما جعل الجيش يخشى منه ومن تقدمه وشعبيته فأراد الحد من طموحاته السياسية، فوجدت الذريعة في  الخطاب الجماهيري الذي ألقاه مشيرا إلى انتمائه وعقيدته الإسلامية بقوله "مساجدنا ثكناتنا،قبابنا خوذاتنا،مآذننا حرابنا،والمصلون جنودنا،هذا الجيش المقدس يحرس ديننا" و سجن إثرها لمدة أربعة أشهر ومنع من ممارسة السياسة خمسة اعوام، بتهمة تحدي النظام العلماني والتفرقة الدينية، لكن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك –كما يقال- ؛ فلما خرج من السجن الذي تعلم منه الكثير وراجع فيها أفكاره عاد إلى السياسة تحت عباءة حزب العدالة والتنمية، بعد خروجه من قائده "نجم الدين أربكان" ، وبهذا الحزب نال الأغلبية الساحقة في الانتخابات التشريعية سنة 2002م وسط الأحزاب العلمانية العريقة في تركيا، وصعد سدة رئاسة الوزراء بعد تنازل زميله "عبد الله غول" عن هذا المنصب في وقت التنافس على المناصب وكان ذلك سنة 2003م بطريقة لم يعرفها التاريخ، وهذا بعد رفع الحظر السياسي عن "أردوغان"، وحينها إلى هذه اللحظة وهو يرفع هامته ضد الظلم واستبداد الدول الغربية وعلى رأسها إسرائيل، ونقل "أردوغان" دولة تركيا إلى مصاف الدول المصنعة حيث أصبحت السادسة اقتصاديا في أوروبا، وامتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وحينها تسنى له الوقوف أمام الغطرسة الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط، واستطاع أن يقول لا للمشروع الأمريكي المتصهين،

وفي تحادث أردوغان مع الدكتور عبد الله النفيسي (أستاذ بجامعة الكويت سابقا) سأله هذا الأخير عن جرأته خاصة في الآونة الأخيرة وإنهاء هيمنة العسكر في تركيا والتطاول على رمزية أتاتاتورك، وتقريب تركيا من جديد إلى العالم الإسلامي،ووقفته الشجاعة ضد إسرائيل، يقول النفيسي (ألا يخيفك هذا من نفسك واغتيالك ووو..)، أتعلمون ماذا أجابت هذه الشخصية القيادية المسلمة؟ .."لا لا أبدا، أنا أتعبد بهذا الشيء،الناس يتعبدون في  المساجد وأنا أتعبد بهذا" وهذا هو المفهوم الشامل للإسلام بأنه منهج حياة، وهو المفهوم الحقيقي للعبودية، وواصل النفيسي حديثه مع أردوغان بأنه عندما كان يجوب أنحاء تركيا رأى ما لا يعجبه من السفور والعري وغير ذلك من السفالات (كما هو حال معظم الدول الإسلامية) فأجاب "أردوغان" بأن هذا كان موجودا وهو موجود وسيظل موجودا، وبأن هذه المظاهر كانت موجودة في أيام البعثة المحمدية، أيام مكة أيام نزول الوحي المكي، كانت في مكة صاحبات الرايات (فيما يبدو بائعات الهوى) وهذا السقوط في مكة كان يراه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان همه تكوين الدولة ثم التغيير في مكة؛ لذا كان يرى "أردوغان" أنه أولا يجب تكوين أنفسنا وأكادمياتنا ونغشى البرلمان ونتحكم في الإعلام والاقتصاد، وبعدها المظاهر السيئة تذوب ذوبانا فلا تقلق يا عبد الله من هذا (مخاطبا عبد الله النفيسي)؛ وفعلا قال أحمد منصور (صاحب برنامج بلا حدود في قناة الجزيرة) ما يلي: (وتشكل قصة نجاح حزب العدالة والتنمية في المجال الاقتصادي التركي أحد أهم عوامل زيادة شعبية الحزب جماهيريًّا ومن العناصر الأساسية التي دفعت إلى فوزه في الانتخابات التشريعيةٍ والرئاسية الأخيرة، والتي استطاع من خلالها اكتساح جميع منافسيه وإخراج النخبة العلمانية والجيش (من حلبة المنافسة)، ووضعهم في خانة ضيقة، وكان الوضع الاقتصادي البائس، والانهيار التجاري والمالي لتركيا هو التحدي الأول للعدالة والتنمية، لكنه بمرور الوقت أصبح المعجزة التي ثبّت أردوغان من خلالها أقدامه، ووضع اسمه كواحد من أهم الشخصيات تأثيرًا في التاريخ التركي الحديث). ولم يخف أحمد داود أوغلو (وزير خارجية تركيا الحالي والعضد الأيمن لأردوغان) أن طموحه في أن تتحول تركيا إلى قوى مؤثرة في النظام العالمي الجديد الذي يعتقد أنه سيتم تأسيسه خلال  10 إلى 15 عامًا، كبديل للنظام الحالي، واستنادًا لهذه المبادئ يرى أوغلو أن توفير الأدوات الضرورية لها يتطلب إعادة بوصلة تركيا إلى عمقها في العالم الإسلامي والعربي الذي ابتعدت عنه منذ انهيار السلطة العثمانية، مما جعلها جزءًا تابعًا للمنظومة الغربية الإسرائيلية.) (أنظر كتابه العمق الاستراتيجي)؛ أليس هذا  يا إخواني توجها إلى إحياء الخلافة الإسلامية بأفصح عبارة من مُنظّْر الخارجية التركية أوغلو؟ 

مما سبق أيها الإخوة وغيرها الكثير مما لم يذكر من توجهات هذا الزعيم الفذ "أردوغان" وزملاؤه ومن خلال تفكيرهم، ألا ترون معي أنه رغم التحديات والظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية ، أن عهد "صلاح الدين" يلوح في الأفق، وعهد الخلافة الإسلامية أو الاتحاد الإسلامي ليس عنا ببعيد...؟؟

لايوجد تعليقات

أضف تعليقا للموضوع : "رجب طيب أردوغان" هل من عودة للخلافة الإسلامية